الصفحة الرئيسية  اقتصاد

اقتصاد في إشارات المرور: تونسيّون يبتدعون مهنا جديدة، وخبراء اقتصاديّون يؤكّدون ارتباطها بارتفاع نسب الفقر في تونس

نشر في  07 جوان 2014  (12:04)

بعد ظاهرة بيع "الكلوروفيل" والأقلام الجافّة في محطّات الحافلة والمترو الخفيف والقطار أو داخل مختلف وسائل النّقل العمومي، وبعد ظاهرة إيجاد سيّارات أجرة للباحثين عنها أوقات الذّروة بمقابل لا يقّل عن 500 ملّيم بالنّسبة للشّخص الواحد...

تنتشر هذه الأيّام ظاهرة جديدة على مستوى الإشارات الضوئيّة في مفترق الطّرق المعروفة بسيولة مروريّة مرتفعة، حيث يعمد عدد من الشّبّان إلى مسح بلّور السّيارات المتوقّفة في الضّوء الأحمر دون مطالبة بسعر محدّد، كما يعمد البعض الأخر إلى بيع بعض الأشياء الخاصّة بالسّيارات على غرار واقيات بلّور أو "كساء" للكراسي أو ما شابه ذلك، في حين تستغلّ فئة أخرى إشارات المرور لبيع كتب قرآنية والحصن الحصين وأدعية...

علاوة على عدّة أعمال أخرى تقلق راحة السّائق وتسبّب الإحراج للبائع وتنتهي أحيانا بمشادّات كلاميّة، أو بعمليّات سرقة... انتشار مثل هذه الظّاهرة في إشارات المرور، لفتت انتباه الكثيرين وأصبحت مصدرا لقلق البعض منهم، خاصّة تحت إصرار هؤلاء الشّبّان على مسح بلّور السّيارات دون أن يطلب منه أحد ذلك ويقول في هذا الإطار حمزى العودي إنّ " هؤلاء الأشخاص مشكوك في ذمّتهم، حيث يعمدون إلى مسح بلّور سيّارتك دون أن تطلب منهم ذلك وفي الأثناء يرصدون ما تحتويه السّيارة، وبمجرّد أن تمدّهم ببعض المال يمكن أن يخطفوا منك أيّ شيء ليبيعونه ويهربون دون أن تتمكّن من ترك سيّارتك واللّحاق بهم"، مضيفا أنّ " أغلب هؤلاء الأشخاص متشرّدون ودون عائلات أو مأوى وهدفهم ليس كسب الرّزق الحلال بل السّرقة.

وقد لاحظنا أنّ أغلبهم يعملون في شكل عصابات، حيث تجد أكثر من واحد في نفس المكان، واحد يمسح البلّور وأخر يبيع الكتب القرآنية والأخر يلهيك بعرض سلعه الخاصّة بالسّيّارات وبمجرّد إيجاد فرصة يخطفون ما تقع عليه أعينهم ويهربون".

عمل مستوحى من الأفلام المصريّة في المقابل أجمع بقيّة الباعة المتمركزين في مفترق الطّرق بإشارات المرور على أنّ الحاجة وضيق ذات اليد هي من دفعهم لمثل هذه الأعمال ويقول طارق المولهي في هذا الإطار: "نحن عجزنا على إيجاد عمل، فالتجأنا لمثل هذه الأعمال التّي لا تتطلّب رخص، ولا تستلزم رأس مال كبير ولا تدفع بالشّرطة البلديّة بملاحقتها، رغم أنّ مردودها قليل جدّا ولا يفي بحاجيّات فرد واحد، فما بالك بعائلة، إلاّ أنّنا لا نملك خيارا آخر، إمّا أن نعمل بهذا الشّكل أو نموت من الجوع".

وفي ذات السّياق أبرز أحد المتمركزين بإشارات المرور والذي يقوم بمسح السّيّارات أنّ : " هذا العمل مستوحى من الأفلام المصريّة، وقد بدأ ينتشر في مختلف إشارات المرور وبدأ يجد صدى بين أصحاب السّيّارات، غير أنّ الحكومة لن تفسح لنا المجال للعمل بهذا الشّكل، ونخاف في المستقبل أن يمنعوننا من ممارسة هذه المهنة بتعلّة المحافظة على سلامتنا وهي لا تعلم أنّ سلامتنا في العمل، لا في البقاء للجوع".

ضيق ذات اليد وراء العمل في إشارات المرور. ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المهن الجديدة التي تمارس في إشارات المرور، تشمل أيضا بيع بعض الفتيات الصّغيرات لخبز "الطّابونة" رغم صغر سنّهم ورغم ما في ذلك من خطورة على سلامتهم، هذا إلى جانب بحث البعض الأخر عن صدقة جارية لبناء جامع وهي ظاهرة انتقلت من وسائل النّقل إلى الطّرقات وتدفع إلى التّساؤل من يوكّل هؤلاء لجمع تبرّعات ومن يراقبهم ومن يستفيد بهذه الأموال ؟ خاصّة وأنّنا نلاحظ أنّ هذه الظّاهرة تفاقمت وأصبحت بمثابة المهنة، ولا نظنّ أنّه عمل تطّوّعي لا يرجى منه مكسب مالي، وبسؤالنا أحدهم أكّد قائلا : " نحن لا نبتغي سوى مرضية الله، والله سبحانه هو من يرزقنا"، غير أنّنا لم نقتنع بهذه الإجابة نظرا لارتفاع عدد هؤلاء وتواجدهم في مختلف المناطق والجهات.

أنشطة تشجّع على الجريمة تنوّع هذه المهن وانتشارها في مختلف مفترق الطّرقات ومختلف إشارات المرور فسّره بعض الخبراء الاقتصاديّون بأّنّها ظواهر جديدة وليدة تردّي الحالة الاجتماعية لمجموعة كبيرة من المجتمع، مؤكّدين على أنّها مرتبطة بارتفاع نسب الفقر في تونس، غير أنّ الأخصّائي الاجتماعي العيد أولاد عبد الله، أوضح أنّ هذه الظّاهرة ليست مرتبطة بالفقر وإنّما بغياب الضّوابط القانونيّة والرّدعيّة التّي تحدّ من مثل هذه الظّواهر، مبرزا أنّ هذه المهن غير المنظّمة هي عبارة على أنشطة حرّة لا تستوجب أداءات وسهلة وليست متعبة ولا تتطلّب رأس مال والأهمّ من ذلك أنّها غير مراقبة.

وفي ذات السّياق، أفاد محدّثنا أنّ هذه الأنشطة مربحة وذات مردوديّة هامّة دون القيام بمجهود جبّار سوى الإلحاح والإصرار على تقديم خدمة وهو ما يفسّر النّقص الفادح على مستوى اليد العاملة خاصّة في قطاعي البناء والفلاحة، لكن هيمنة هذه المهن على القطاع المنظّم وبلوغها الذّروة على حدّ تعبيره، يمكن أن يحوّلها من مجرّد أنشطة "بريئة" إلى عمليّات خطف وسرقة وتحويل وجهة ( الدّخول إلى طريق الجريمة)، وخاصّة وأنّ هؤلاء مقسّمين حسب مجالات خاصّة بهم ويتضامنون لحماية بعضهم في صورة حدوث مشكل، ولا يمكن حسب نفس المصدر الحدّ من هذه الأعمال والقضاء عليها أو تنظيمها وهيكلتها إن استوجب الأمر سوى بتدخّل الحكومة، خاصّة وأنّ النّيابات الخصوصيّة، غير قادرة على اتّخاذ القرارات ووضع حدّ لمثل هذه الأنشطة غير المنظّمة والتّي من شأنها أن تأثّر على الاقتصاد الوطني وتسبّب في تنامي الجريمة في تونس.